ما هي مراتب القدر: العلم، الكتابة، المشيئة، والخلق

ما هي مراتب القدر، الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي لا يكتمل إيمان المسلم إلا بها، وقد أجمع علماء أهل السنة والجماعة على أن للقدر أربع مراتب رئيسية، من لم يؤمن بها جميعًا لم يصح إيمانه بالقدر، وقد شرح هذه المراتب كبار العلماء مثل ابن عثيمين وابن باز وغيرهم، وبيّنوها بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، في هذا المقال، نستعرض مراتب القدر بالترتيب، مع بيان مفهوم كل مرتبة وأهم الأدلة عليها، وشرحها بأسلوب مبسط وواضح.

تعريف القدر والإيمان به

القدر في اللغة: هو التقدير، وفي الاصطلاح الشرعي: علم الله تعالى بالأشياء وكتابته لها، ومشيئته وخلقه لها، وكل ما يجري في الكون من خير وشر، من سرور وضر، فهو بقضاء الله وقدره، لا يخرج عن علمه ومشيئته وخلقه.

• قال النبي صلى الله عليه وسلم:
  “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره”

شاهد أيضا: لماذا تُعد عشر ذي الحجة أعظم أيام السنة؟

مراتب القدر عند أهل السنة والجماعة

أجمع أهل السنة والجماعة، ومنهم الإمام ابن عثيمين، على أن مراتب القدر أربع، وهي:

1. مرتبة العلم

• المعنى: الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلًا، علم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأن علمه شامل لكل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل، لا يغيب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.

• الدليل: قال تعالى: “وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ…”
  وقال: “وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا”

• شرح ابن عثيمين:
  أكد ابن عثيمين أن الإيمان بمرتبة العلم يعني أن الله علم كل شيء، صغيرًا كان أو كبيرًا، قبل أن يوجد، وعلم ما سيعمله العباد، وأرزاقهم، وأعمارهم، وأحوالهم، وسعادتهم وشقاوتهم.

2. مرتبة الكتابة

• المعنى: الإيمان بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض، فما من شيء يحدث إلا وهو مكتوب عند الله.

• الدليل:
  قال تعالى:
  “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا”
  وقال:
  “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ”

• شرح ابن عثيمين:
  أوضح أن الكتابة تشمل كل شيء، وأن الله أمر القلم أن يكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، فما من أمر يحدث إلا وقد سبق به علم الله وكتابه.

3. مرتبة المشيئة (الإرادة)

• المعنى: الإيمان بأن كل ما يقع في الكون فهو بمشيئة الله تعالى، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يخرج شيء عن إرادته الكونية.

• الدليل:
  قال تعالى:
  “وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ”
  وقال:
  “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ”

• شرح ابن عثيمين:
  بيّن أن مشيئة الله نافذة في كل شيء، وأنه لا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا بمشيئة الله، وأن أفعال العباد داخلة في مشيئة الله، مع إثبات أن لهم إرادة واختيارًا.

4. مرتبة الخلق (التكوين)

• المعنى: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، من ذلك أفعال العباد، فلا يقع في الكون شيء إلا وهو مخلوق لله، سواء كان من أفعال العباد أو غيرهم.

• الدليل:
  قال تعالى:
  “اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ”
  وقال:
  “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ”

• شرح ابن عثيمين:
  أوضح أن الله هو الموجد لكل شيء، وأن أفعال العباد مخلوقة لله، مع كون العبد فاعلًا مختارًا، فالله خلق القدرة والإرادة والعمل.

جدول مراتب القدر باختصار

مراتب القدر ابن عثيمين

• ابن عثيمين: أكد أن هذه المراتب الأربع هي أساس الإيمان بالقدر، وأن من أنكر واحدة منها فقد أنكر القدر، وهي مرتبة العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق.

• ابن باز: بيّن أن الإيمان بالقدر لا يتحقق إلا بالإيمان بهذه المراتب الأربع، وأنها ثابتة في كتاب الله وسنة رسوله.

• أهل السنة والجماعة: أجمعوا على هذه المراتب، ونصوا على أن الإيمان بالقدر واجب، وأنه لا يتم إلا بتحقيقها جميعًا.

شاهد أيضا: تجربتي مع الحوقلة 1000 مرة يوميا

أدلة إضافية من السنة

• عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
  “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة”

• وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
  “إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة”

مراتب القدر الأربع (العلم، الكتابة، المشيئة، الخلق) هي أساس الإيمان الصحيح بالقضاء والقدر، ولا يتم إيمان العبد إلا بها، وقد دل عليها الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة والجماعة، وشرحها العلماء بالتفصيل، الإيمان بهذه المراتب يحقق للعبد السكينة والثبات في مواجهة تقلبات الحياة، ويجعله يسعى ويعمل وهو مطمئن أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.